بسم الله الرحمن الرحيم ..
اللــهـــم صل على محــمـــد وعلى آل مــــحمـــد ..
وعجل فرجهم ..وسهل مخرجهم ..
كيف يُكتب الشعر .. وكيف يولد الشاعر ؟؟
واجهتني في حياتي أسئلة صعبة كثيرة ، لكن أصعب سؤال طُرح عليّ ولم أجد له إلى اليوم جواباً يرضيني هو ، " كيف تكتب الشعر ؟؟"..
في يوم من الأيام عندما كنت في الكلية ، وبالتحديد في قاعة المحاضرة ، جلسنا أنا وصديقة لي نتكلم عن الشعر ، بدلا من الأستماع إلى المحاضرة .. فجأة سألتني صديقتي " كيف يكتب الشعر ؟؟" ، " وكيف يُولد الشاعر ؟؟"..
وفي غمرة الحركة والضجيج قلتُ لها :- لا أعرف ..
واليوم أجدني مدينة لصديقتي بمحاولة ، أعترف من الآن بأنها ستكون ناقصة ، إن لم تكن فاشلة أيضاُ ..
فالشعر كالحلم ، لا تفسير نهائياُ له . وهو كالزهرة الرقيقة ، لا تفسير منطقيا لها . والذي يضاعف من صعوبة الشعر أن كل قصيدة لشاعر هي نسيج ذاتها . والسبب في نظري أن الشاعر يولد مراراً ، في كل قصيدة له مولد ، وفي كل مولد له روح جديدة يهددها الموت . والقصيدة التي لا تختلف عن غيرها من قصائد الشاعر تُنذر بموت روح من أرواحه ..
في دورته الشعورية ( نظير دورة الدم ) وفي الجينات التي تولّد صفاته المائزة ، يسري الطابع الخاص للشاعر ، لذلك لا تعني الكتابة شيئاً مهماً لشاعر ما لم تصدر بقوة وطغيان حقيقيين عن تلك المنطقة الأعمق فيه ، حيث يسكن كائن الأحب ، شخصه الأول : الطفل النائم ، المستيقظ ، اللاعب ، الدَّهِش ، الغاضب ، المتفرج ، الساهي ، المتردد ، الخائف ، النافر ، المستعد ، الفوضوي ، الأنيق ( روحاً ) ، المشاكس ... ولكن ، دائما ، العاشق ، النزق ، المتطرف ..
لنتمتع بالشعر ، علينا أولاً أن نصل إلى الشاعر ، إلى ذاته المتوارية في سطور القصيدة ، وبين السطور ، وعلينا هنا أن نفتش عن الطفل فيه .
لا تتحقق الكتابة الشعرية في أبهى حالاتها ، قبل الوصول إلى الطفل المتواري فينا . على القارئ أيضا أن يكون طفلاً ، وأن يُنصت إلى قلبه . وما يتم هذا لكائنات يعوزها نزوع جامح ( متطرف) ، علامته انحياز مطلق ونهائي نحو الحب ، واستلهام للجمال هو في حقيقته شوق إلى الحرية .
عند هذه التخوم يولد الشعر كخطر حقيقي ، وتتخلق المفارقة المأساوية من صدمة المعاكس والمخالف .
يولد الشاعر وفي روحه تسري محبتان :- محبة الحب كجوهر لا يموت ، ومحبة المحبوب كشخص ميت .
من ألم الإدراك يتخلق الشعر ، ومن علاقات الفاني بالخالد تنسج الموهبة فلكها في الشاعر .
من فداحة وإشراق ، ومن يأس هو كل ما يملكه مؤمن شكاك ، يتخلق الشعر .
وما الجمال في شعر شاعر إلا لبوس ، أو نظير لتطرُّف الحركة في الشعور ، وعلامته ما يهزُ ويخض ويسحر .
هنا أيضا ، على هذا الصراط ، يتلقي الخصمان الكبيران ، الحياة والموت . ومن هذا العلو تهب روح الشاعر ، وتتنزل كلماته .
ولا يتناقض هذا ، بالمعنى الجوهري والعميق للكلمة ، مع صورة الشاعر شخصاُ مقيماً أو مسافراً في العالم الحاضر ، وتحت شمس الحقيقة القاسية .
يكتب الشعر بعيداً عن الزيف الاجتماعي وقريبا من الحقائق الصغيرة غير المرئية للوجود والشعور ، والتي لا تُدرك إلا بالحواس ، ومنها تتخلق الحقيقة الكبرى ، التي يُغامر الشعر ليتصل بها .
بعد ذلك ، لا أعرف حقاً كيف يُكتب الشعر ، ولا متى يُكتب . فهو حدث داهم ، في كل مرة يتجلى على نحو مختلف ، وتحقق على طريقته .
ولا يعني هذاً أبداً أن الشاعر كائن منفعل وحسب ، وليس لإرادته في كتابة القصيدة دور .
لكن الشاعر الذي يُغامر في الكلمات ومع الكلمات ليعود بالقصيدة كأعطية قدّت من جمال خاص ، هو ذاك الذاهل عن نفسه ، وعن صنيعه لحظة الفعل ، ليمكنه أن يصنع ، ومن ثم يخرج ويقول ها هنا توجد قصيدتي ..
والآن ، أليس من الأفضل أن ننسى الشاعر ونلجأ إلى القصيدة ؟؟
أميرُ نائم وحملة تنتظر ..
كما لو أنني نمتُ تحت شجرةٍ
وهزَّت قيلولتي أبواقٌ بعيدةٌ ،
خُطا خفيفة مشت في حسّي
وأودعت ما حَمَلَت في غيهبٍ .
وإذ مَشَت مرة أُخرى ووطئت نومي
تقلّبتُ
وَنَفَرَ الهواءُ خائفاً .
كانتِ الأزهارُ تقصُ والضوءُ يُفَكّكُ الممشى بسلام
حتى إنني رأيتُ خيالي مشطوراَ
وخلتُ الملابس ، في خفتها ، تطييرَ أصواتٍ.
الأحصنة تقتربُ ..
وقعُ الحوافر يتجلى على الصُخُور
إنني أرى قوائِمها المُتكسرة وفرسانَها المجندلين في الهواء ..